الديانات الأخرى في ميزان
الإسلام وأسباب كفر أهل الكتاب
By: Dr. Issah Abeebllahi Obalowu
الحمد لله رب العالمين،
والصلاة والسلام على أشرف المرسلين وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما. أما بعد:
لا شك في اعتراف الإسلام
بالتنوع الفكري واختلاف ديانات الناس واستحالة انتحال جميع الناس نحلة واحدة، بل
قد شاء الله أن يكون الأمر على هذا الحال، وقد خلق الخلائق أصلا ليتنوعوا ويختلفوا
في شؤونهم الفكرية والأخلاقية وفي غيرها من الأمور. قال تعالى: "هُوَ
الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنكُمْ كَافِرٌ وَمِنكُم مُّؤْمِنٌ ۚ وَاللَّهُ بِمَا
تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ" (التغابن: 2). وقال تعالى: وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ
لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً ۖ وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ (118) إِلَّا
مَن رَّحِمَ رَبُّكَ ۚ وَلِذَٰلِكَ خَلَقَهُمْ ۗ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ
لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ (هود: 119).
وقال: وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَٰكِن يُضِلُّ
مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي مَن يَشَاءُ ۚ وَلَتُسْأَلُنَّ عَمَّا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ
(النحل: 93). وقال أيضا: وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ
مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ ۖ
فَاحْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ ۖ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا
جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ ۚ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا ۚ
وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَٰكِن لِّيَبْلُوَكُمْ
فِي مَا آتَاكُمْ ۖ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ ۚ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ
جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (المائدة: 48). بل
قد قال: وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَهُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَٰكِن
يُدْخِلُ مَن يَشَاءُ فِي رَحْمَتِهِ ۚ وَالظَّالِمُونَ مَا لَهُم مِّن وَلِيٍّ
وَلَا نَصِيرٍ (الشورى: 8). وقال: وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَن فِي
الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا ۚ أَفَأَنتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّىٰ يَكُونُوا
مُؤْمِنِينَ (99) وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَن تُؤْمِنَ إِلَّا بِإِذْنِ
اللَّهِ ۚ وَيَجْعَلُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ (100).
حكم الإسلام في الديانات الأخرى:
كل الديانات أخرى غير الإسلام إما أن تكون موضوعة
باطلة الأصل وإما أن تكون منسوخة. بمجيء آخر الأنبياء.
1.
الموضوع
الباطل منها: الوثنية وعبادة الأصنام
والأحجار وغيرها من مخلوقات الله تعالى، أهلها مخلدون في النار.
قال تعالى في البقرة: "إِنَّ
الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ
اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ (161) خَالِدِينَ فِيهَا
لَا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلَا هُمْ يُنْظَرُونَ (162) وَإِلَهُكُمْ
إِلَهٌ وَاحِدٌ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ (163). قال
البغوي: "قَالَ أبو العالية: هذا يوم الْقِيَامَةِ يُوقَفُ الْكَافِرُ
فَيَلْعَنُهُ اللَّهُ ثُمَّ تَلْعَنُهُ الْمَلَائِكَةُ ثُمَّ يَلْعَنُهُ النَّاسُ
فَإِنْ قِيلَ فَقَدْ قَالَ {وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ} وَالْمَلْعُونُ هُوَ مِنْ
جُمْلَةِ النَّاسِ فَكَيْفَ يَلْعَنُ نَفْسَهُ؟ قِيلَ يَلْعَنُ نَفْسَهُ فِي الْقِيَامَةِ."
(معالم التنزيل).
وقال تعالى في سورة
الأعراف: "إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا
لَا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَلَا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى
يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُجْرِمِينَ"
(40). وقال تعالى في الزمر: "وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ
مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ
الْخَاسِرِينَ (65) بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ"
(66). وقال في الأنعام: "وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا
يَعْمَلُونَ" (88).
2.
المنسوخ
منها: الديانات السماوية التي جاء بها
الأنبياء الذين جاءوا قبل نبينا محمد صلى الله عليهم وسلم أجمعين، وهي صحيحة الأصل
كما كان عليه الأنبياء والذين ءامنوا بهم قبل مجيء نبينا محمد صلى الله عليه وسلم.
ولما جاء آخر الأنبياء بالإسلام، حل الإسلام محل هذه الأديان جميعا فأصبحت كلها منسوخة
ببعثة محمد صلى الله عليه وسلم. وهذ النسخ ليس في أصل المعتقدات كمعرفة الله
والملائكة والجنة والنار، فجميع الديانات السماوية متفقة في مثل هذه الأصول، ولكن
الاختلاف والنسخ في طرق وكيفية العبادات والتقرب إلى الله تعالى من صلاة وصيام وحج
وزكاة وغير ذلك، ناهيك عما وقع من أتباع هؤلاء الأنبياء بعدهم من التحريف في
الاعتقادات والعبادات والوقوع في الشرك، الأمور التي جاء الإسلام لتبيينها وإرجاع
الناس إلى العقيدة الصحيحة التي جاء بها الأنبياء السابقون وخاتمهم صلى الله عليهم أجمعين.
قد وردت آيات كثيرة في
القرآن تثبت تحريف وكتمان أهل الكتاب لكثير من الحقائق والأحكام التي وردت في
كتبهم المنزل على أنبيائهم. قال تعالى: "يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ
جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيرًا مِمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنَ
الْكِتَابِ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ
مُبِينٌ (المائدة: 15). قال البغوي: "أي: من التوراة وَالْإِنْجِيلِ
مِثْلُ صِفَةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَآيَةِ الرَّجْمِ
وَغَيْرِ ذَلِكَ، {وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ} أَيْ: يُعْرِضُ عَنْ كَثِيرٍ مِمَّا
أَخْفَيْتُمْ فَلَا يَتَعَرَّضُ لَهُ وَلَا يُؤَاخِذُكُمْ بِهِ." (معالم
التنزيل). قال ابن كثير: "أَيْ: يُبَيِّنُ مَا بَدَّلُوهُ وَحَرَّفُوهُ
وَأَوَّلُوهُ، وَافْتَرَوْا عَلَى اللَّهِ فِيهِ، وَيَسْكُتُ عَنْ كَثِيرٍ مِمَّا
غَيَّرُوهُ وَلَا فَائِدَةَ فِي بَيَانِهِ." (تفسير ابن كثير).
حكم أصحاب الديانات السماوية التي جاءت قبل الإسلام:
كل من أسلم مع أنبيائهم واستمروا على الإيمان حتى
الممات فهم من أهل الصلاح وسيوفون أجورهم يوم القيامة. قال تعالى: إِنَّ
الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَىٰ وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ
بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ
رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (البقرة: 62).
وقال: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئُونَ
وَالنَّصَارَى مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَا
خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (المائدة: 69).
حكمهم بعد مجيء نبينا محمد:
كل من لا يؤمن بمحمد صلى الله عليه وسلم من هذه الأمة
(أمة الدعوة) فهو كافر إلا إذا كان لم يبلغه خبر الإسلام. جاء عند مسلم في باب
وجوب إيمان أهل الكتاب برسالة الإسلام من حديث أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنْ رَسُولِ
اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «وَالَّذِي نَفْسُ
مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، لَا يَسْمَعُ بِي أَحَدٌ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ يَهُودِيٌّ،
وَلَا نَصْرَانِيٌّ، ثُمَّ يَمُوتُ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِالَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ،
إِلَّا كَانَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ».
قال تعالى: "قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ
لَسْتُمْ عَلَى شَيْءٍ حَتَّى تُقِيمُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَمَا
أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ مَا
أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْيَانًا وَكُفْرًا فَلَا تَأْسَ عَلَى
الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ". (المائدة: 68). وقال: "إِنَّ الدِّينَ
عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا
مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ وَمَنْ يَكْفُرْ بِآيَاتِ
اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ". (آل عمران: 19). وقال في
شأن أهل الكتاب: "فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ مَا آمَنْتُمْ بِهِ فَقَدِ
اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا هُمْ فِي شِقَاقٍ فَسَيَكْفِيكَهُمُ
اللَّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ". (البقرة: 137). وقال: "وَمَنْ
يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي
الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ". (آل عمران: 85).
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ ثَابِتٍ قَالَ: جَاءَ
عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،
فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي مَرَرْتُ بِأَخٍ لِي مِنْ قُرَيْظَةَ،
وَكَتَبَ لِي جَوَامِعَ مِنَ التَّوْرَاةِ، أَفَلَا أَعْرِضُهَا عَلَيْكَ؟ قَالَ:
فَتَغَيَّرَ وَجْهُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ
عَبْدُ اللَّهِ: فَقُلْتُ: مَسَخَ اللَّهُ عَقْلَكَ، أَلَا تَرَى مَا بِوَجْهِ
رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فَقَالَ عُمَرُ: رَضِيتُ
بِاللَّهِ رَبًّا، وَبِالْإِسْلَامِ دِينًا، وَبِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ نَبِيًّا قَالَ: فَسُرِّيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، ثُمَّ قَالَ: «وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، لَوْ أَصْبَحَ
فِيكُمْ مُوسَى ثُمَّ اتَّبَعْتُمُوهُ وَتَرَكْتُمُونِي لَضَلَلْتُمْ، أَنْتُمْ
حَظِّي مِنَ الْأُمَمِ، وَأَنَا حَظُّكُمْ مِنَ النَّبِيِّينَ». رواه أحمد وعبد
الرزاق وحسنه الألباني.
تفرقة الإسلام بين المشركين وأهل الكتاب في بعض
الأحكام
ومن عدالة الإسلام وإنصافه ووسطيته في معاملة الآخرين
غير منتسبين للإسلام أن فرق بين المشركين الوثنيين وغيرهم من أهل الكتاب وإن كانوا
جميعا كفارا مخلدين في النار إن ماتوا على غير الإسلام. قد دلت
الأدلة من الكتاب والسنة على التفرقة بين أهل الكتـاب وغيرهـم من الكفار في بعض
الأحكام، فمن ذلك: حل ذبائح أهل الكتاب، وحل نسائهم الحرائر العفيفات. قال تعالى:
{الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ
حِلٌّ لَّكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَّهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ
وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ إِذَا
آتَيْتُمُوهُنَّ أجورهن...} [المائدة: ٥]. وأما غيرهم من سـائر طوائف الكفار
من أصحاب الديانات الوضعية من عبدة الأوثان فلا تحل نسائهم ولا ذبائحهم للمسلمين، قال
تعالى: "وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ وَلَأَمَةٌ
مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ...، البقرة: 21.
أسباب كفر أهل الكتاب:
1. تكذيبهم لآخر الأنبياء هو تكذيب لجميع
الرسل وتكذيبهم للقرآن هو تكذيب لجميع الكتب،
قد أخبرهم أنبيائهم بمجيء محمد ولما جاء أنكروه، قال
تعالى: "وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ
إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُم مُّصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ
التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِن بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ ۖ
فَلَمَّا جَاءَهُم بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَٰذَا سِحْرٌ مُّبِينٌ" (الصف:
6). قال ابن كثير: "يَعْنِي: التَّوْرَاةُ قَدْ بَشَّرَت بِي، وَأَنَا مصداقُ
مَا أَخْبَرَتْ عَنْهُ، وَأَنَا مُبَشّر بِمَنْ بَعْدِي، وَهُوَ الرَّسُولُ
النَّبِيُّ الْأُمِّيُّ الْعَرَبِيُّ الْمَكِّيُّ أَحْمَدُ. فَعِيسَى، عَلَيْهِ
السَّلَامُ، وَهُوَ خَاتَمُ أَنْبِيَاءِ بَنِي إِسْرَائِيلَ، وَقَدْ أَقَام فِي
مَلَإِ بَنِي إِسْرَائِيلَ مُبَشِّرًا بِمُحَمَّدٍ، وَهُوَ أَحْمَدُ خَاتَمُ
الْأَنْبِيَاءِ وَالْمُرْسَلِينَ، الَّذِي لَا رِسَالَةَ بَعْدَهُ وَلَا
نُبُوَّةَ." (تفسير ابن كثير).
قد أثبت القرآن وجود البيان الكافي عن صفات آخر
الأنبياء في كتبهم، ولكن لما جاءهم كفروا به. قال تعالى: الَّذِينَ
يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا
عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنجِيلِ يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ
وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ
عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي
كَانَتْ عَلَيْهِمْ ۚ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ
وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنزِلَ مَعَهُ ۙ أُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ
(157) قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا
الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۖ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ يُحْيِي
وَيُمِيتُ ۖ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي
يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ
(158) وَمِن قَوْمِ مُوسَىٰ أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ
(الأعراف: 159).
قال ابن كثير: "{الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ
الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي
التَّوْرَاةِ وَالإنْجِيلِ} وَهَذِهِ صِفَةَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
فِي كُتُبِ الْأَنْبِيَاءِ بَشَّرُوا أُمَمَهُمْ بِبَعْثِهِ وَأَمَرُوهُمْ
بِمُتَابَعَتِهِ، وَلَمْ تَزَلْ صِفَاتُهُ مَوْجُودَةً فِي كُتُبِهِمْ يَعْرِفُهَا
عُلَمَاؤُهُمْ وَأَحْبَارُهُمْ." وقال: "وَقَوْلُهُ تَعَالَى
{يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ} هَذِهِ صِفَةُ
الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْكُتُبِ الْمُتَقَدِّمَةِ،
وَهَكَذَا كَانَ حَالُهُ، عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، لَا يَأْمُرُ إِلَّا
بِخَيْرٍ، وَلَا يَنْهَى إِلَّا عَنْ شَرٍّ." (تفسير ابن كثير).
وبما جاءهم آخر الأنبياء وليس من بين بني إسرائيل،
أنكروا ما كانوا يعرفونه حق المعرفة. قال تعالى: وَلَمَّا جَاءَهُمْ كِتَابٌ
مِّنْ عِندِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِّمَا مَعَهُمْ وَكَانُوا مِن قَبْلُ
يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جَاءَهُم مَّا عَرَفُوا
كَفَرُوا بِهِ ۚ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ (89) بِئْسَمَا
اشْتَرَوْا بِهِ أَنفُسَهُمْ أَن يَكْفُرُوا بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ بَغْيًا أَن
يُنَزِّلَ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ عَلَىٰ مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ ۖ فَبَاءُوا
بِغَضَبٍ عَلَىٰ غَضَبٍ ۚ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ مُّهِينٌ (90) (البقرة).
قال البغوي: {وَلَمَّا جَاءَهُمْ كِتَابٌ مِنْ عِنْدِ
اللَّهِ} يَعْنِي الْقُرْآنَ {مُصَدِّقٌ} مُوَافِقٌ {لِمَا مَعَهُمْ} يَعْنِي
التَّوْرَاةَ {وَكَانُوا} يَعْنِي الْيَهُودَ {مِنْ قَبْلُ} قَبْلَ مَبْعَثِ
مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {يَسْتَفْتِحُونَ} يَسْتَنْصِرُونَ
{عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا} عَلَى مُشْرِكِي الْعَرَبِ، وَذَلِكَ أَنَّهُمْ
كَانُوا يَقُولُونَ إِذَا حَزَبَهُمْ أَمْرٌ وَدَهَمَهُمْ عَدُوٌّ: اللَّهُمَّ
انْصُرْنَا عَلَيْهِمْ بِالنَّبِيِّ الْمَبْعُوثِ فِي آخِرِ الزَّمَانِ، الَّذِي
نَجِدُ صِفَتَهُ فِي التَّوْرَاةِ، فَكَانُوا يُنْصَرُونَ، وَكَانُوا يَقُولُونَ
لِأَعْدَائِهِمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَدْ أَظَلَّ زَمَانُ نَبِيٍّ يَخْرُجُ بِتَصْدِيقِ
مَا قُلْنَا فَنَقْتُلُكُمْ مَعَهُ قَتْلَ عَادٍ وَثَمُودَ وَإِرَمَ {فَلَمَّا
جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا} يَعْنِي مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
مِنْ غَيْرِ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَعَرَفُوا نَعْتَهُ وَصِفَتَهُ {كَفَرُوا بِهِ}
بَغْيًا وَحَسَدًا. {فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ}. (معالم التنزيل).
2. كتمان الحق وتحريف الكتب...
قال تعالى: "الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ
الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ ۖ وَإِنَّ فَرِيقًا
مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ" (البقرة: 146).
وقال: "مِّنَ الَّذِينَ هَادُوا يُحَرِّفُونَ
الْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ" (النساء:
47).وقال: "يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَن
مَّوَاضِعِهِ ۙ وَنَسُوا حَظًّا مِّمَّا ذُكِّرُوا بِهِ ۚ " (المائدة:
13). وقال: "يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِن بَعْدِ مَوَاضِعِهِ ۖ يَقُولُونَ
إِنْ أُوتِيتُمْ هَٰذَا فَخُذُوهُ وَإِن لَّمْ تُؤْتَوْهُ فَاحْذَرُوا ۚ
" (المائدة: 41).
3. الاعتقاد الفاسد خاصة في الله والرسل والملائكة...،
· الشرك
مع الله:
قال تعالى: "لَّقَدْ كَفَرَ
الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ ۚ
قُلْ فَمَن يَمْلِكُ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا إِنْ أَرَادَ أَن يُهْلِكَ الْمَسِيحَ
ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ وَمَن فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ۗ وَلِلَّهِ مُلْكُ
السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا ۚ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ ۚ وَاللَّهُ
عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ" (المائدة: 17).
وقال: "لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّـهَ هُوَ الْمَسِيحُ
ابْنُ مَرْيَمَ ۖ وَقَالَ الْمَسِيحُ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اعْبُدُوا اللَّـهَ
رَبِّي وربكم ۖ إِنَّهُ مَن يُشْرِكْ بِاللَّـهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّـهُ
عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ ۖ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ".
[المائدة:72].
·
التثليث:
قال تعالى: "لَّقَدْ كَفَرَ
الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّـهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ ۘ
وَمَا مِنْ إِلَـٰهٍ إِلَّا إِلَـٰهٌ وَاحِدٌ ۚ وَإِن لَّمْ يَنتَهُوا عَمَّا
يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ"
[المائدة: 73].
· نسبة الابن إلى
الله:
قال تعالى: "وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ
ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ
بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ قَاتَلَهُمُ
اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ". التوبة: 30.
·
جعل
الأحبار والرهبان أربابا من دون الله:
قال تعالى: "اتَّخَذُوا
أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ
مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لا إِلَهَ إِلا هُوَ
سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ"
التوبة،31.
وعَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ، قَالَ: أَتَيْتُ
النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفِي عُنُقِي صَلِيبٌ مِنْ ذَهَبٍ.
فَقَالَ: «يَا عَدِيُّ اطْرَحْ عَنْكَ هَذَا الوَثَنَ»، وَسَمِعْتُهُ يَقْرَأُ فِي
سُورَةِ بَرَاءَةٌ: {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ
دُونِ اللَّهِ} [التوبة: 31]، قَالَ: «أَمَا إِنَّهُمْ لَمْ يَكُونُوا
يَعْبُدُونَهُمْ، وَلَكِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا أَحَلُّوا لَهُمْ شَيْئًا
اسْتَحَلُّوهُ، وَإِذَا حَرَّمُوا عَلَيْهِمْ شَيْئًا حَرَّمُوهُ» الترمذي. حديث
حسن.
0 Comments