حد العورة وما ينبغي ستره في الخلوة وأمام الناس
The Extent of the Private Part
and What Should be Covered in Seclusion and in Public
وجوب
ستر العورة:
عَنْ بَهْزِ بْنِ حَكِيمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ: قُلْت: يَا رَسُولَ اللَّهِ عَوْرَاتُنَا مَا نَأْتِي مِنْهَا وَمَا نَذَرُ قَالَ: «احْفَظْ عَوْرَتَك إلَّا مِنْ زَوْجَتِك أَوْ مَا مَلَكَتْ يَمِينُك، قُلْت: فَإِذَا كَانَ الْقَوْمُ بَعْضُهُمْ فِي بَعْضٍ؟ قَالَ: إنْ اسْتَطَعْت أَنْ لَا يَرَاهَا أَحَدٌ فَلَا يَرَيَنَّهَا، قُلْت: فَإِذَا كَانَ أَحَدُنَا خَالِيًا؟ قَالَ: فَاَللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَحَقُّ أَنْ يُسْتَحْيَا مِنْهُ». رواه البخاري معلقا وحسنه الترمذي وصححه الحاكم.[1]
وجاء في حديث ابْنِ عُمَرَ عِنْدَ التِّرْمِذِيِّ بإسناد غريب: «إيَّاكُمْ وَالتَّعَرِّي فَإِنَّ مَعَكُمْ مَنْ لَا يُفَارِقُكُمْ إلَّا عِنْدَ الْغَائِطَ، وَحِينَ يُفْضِي الرَّجُلُ إلَى أَهْلِهِ فَاسْتَحْيُوهُمْ وَأَكْرِمُوهُمْ».[2] وروى مسلم من حديث أبي سعيد الخدري: أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ «لَا يَنْظُرُ الرَّجُلُ إِلَى عَوْرَةِ الرَّجُلِ، وَلَا الْمَرْأَةُ إِلَى عَوْرَةِ الْمَرْأَةِ، وَلَا يُفْضِي الرَّجُلُ إِلَى الرَّجُلِ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ، وَلَا تُفْضِي الْمَرْأَةُ إِلَى الْمَرْأَةِ فِي الثَّوْبِ الْوَاحِدِ».[3]
يظهر
بكل الوضوح من هذه الأحاديث المذكورة أعلاه أن ستر العورة واجب على المسلم
والمسلمة. ويبقى تحديد المقدار الذي يجب ستره من عورة الإنسان في الخلوة وأمام
الناس.
حد
عورة الرجل المسلم:
قَالَ
النَّوَوِيُّ: قَدْ وَقَعَ الْإِجْمَاعُ عَلَى أَنَّ الْقُبُلَ وَالدُّبُرَ
عَوْرَةٌ، وذَهَبَ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ إلَى أَنَّ الْفَخِذَ عَوْرَةٌ، وقال
البعض: "الْعَوْرَةُ: الْقُبُلُ وَالدُّبُرُ فَقَطْ"، وَبِهِ قَالَ
أَهْلُ الظَّاهِرِ. قال الشوكاني: "وَالْحَقُّ أَنَّ الْفَخِذَ مِنْ
الْعَوْرَةِ".[4]
الدليل
على عورة الفخذ:
عَنْ
ابْنِ عَبَّاسٍ وغيره من الصحابة بألفاظ متنوعة، عَن النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قَالَ: «الْفَخِذُ عَوْرَةٌ».[5] ورواه
أحمد بإسناد حسن من حديث مُحَمَّدِ بْنِ جَحْشٍ قَالَ: مَرَّ النَّبِيُّ صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَا مَعَهُ عَلَى مَعْمَرٍ وَفَخِذَاهُ
مَكْشُوفَتَانِ، فَقَالَ: "يَا مَعْمَرُ غَطِّ فَخِذَيْكَ؛ فَإِنَّ
الْفَخِذَيْنِ عَوْرَةٌ".[6] وعَنْ عَلِيٍّ، قَالَ: قَالَ لِي رَسُولُ اللهِ
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَا تُبْرِزْ فَخِذَكَ، وَلا تَنْظُرِ إلَى
فَخِذِ حَيٍّ وَلا مَيِّتٍ".[7]
دليل
مَنْ لا يَرَ الْفَخِذَ مِنْ الْعَوْرَةِ
عَنْ
عَائِشَةَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ
جَالِسًا كَاشِفًا عَنْ فَخِذِهِ فَاسْتَأْذَنَ أَبُو بَكْرٍ فَأَذِنَ لَهُ وَهُوَ
عَلَى حَالِهِ، ثُمَّ اسْتَأْذَنَ عُمَرُ فَأَذِنَ لَهُ وَهُوَ عَلَى حَالِهِ،
ثُمَّ اسْتَأْذَنَ عُثْمَانُ فَأَرْخَى عَلَيْهِ ثِيَابَهُ، فَلَمَّا قَامُوا
قُلْت: يَا رَسُولَ اللَّهِ اسْتَأْذَنَ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ فَأَذِنْت لَهُمَا،
وَأَنْتَ عَلَى حَالِكَ فَلَمَّا اسْتَأْذَنَ عُثْمَانُ أَرْخَيْت عَلَيْكَ
ثِيَابَك، فَقَالَ: يَا عَائِشَةُ أَلَا أَسْتَحْيِي مِنْ رَجُلٍ، وَاَللَّهِ إنَّ
الْمَلَائِكَةَ لَتَسْتَحْيِي مِنْهُ».[8] وَعَنْ
أَنَسٍ «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ خَيْبَرَ
حَسَرَ الْإِزَارَ عَنْ فَخِذِهِ حَتَّى إنِّي لَأَنْظُرُ إلَى بَيَاضِ فَخِذِهِ».[9]
المناقشة:
قَالَ
أَبُو عَبْدِ اللَّهِ البخاري: حَدِيثُ أَنَسٍ في حسر النبي صلى الله عليه وسلم
الإزار عن فخذه يوم خيبر أَسْنَدُ، وَحَدِيثُ الأمر بغط الفخذ لأنها من العورة
أحوط حَتَّى يُخْرَجَ مِنَ اخْتِلاَفِهِمْ.[10] قال
الشوكاني: "حَدِيثَا عَائِشَةَ وَأَنَسٍ وَارِدَانِ فِي قَضَايَا مُعَيَّنَةٍ
مَخْصُوصَةٍ يَتَطَرَّقُ إلَيْهَا مِنْ احْتِمَالِ الْخُصُوصِيَّةِ أَوْ
الْبَقَاءِ عَلَى الْإِبَاحَةِ مَا لَا يَتَطَرَّقُ إلَى الْأَحَادِيثِ
الْمَذْكُورَةِ فِي هَذَا الْبَابِ، لِأَنَّهَا تَتَضَمَّنُ إعْطَاءَ حُكْمٍ
كُلِّيٍّ وَإِظْهَارَ شَرْعٍ عَامٍّ، فَكَانَ الْعَمَلُ بِهَا أَوْلى كَمَا قَالَ
الْقُرْطُبِيُّ عَلَى أَنَّ طَرَفَ الْفَخِذِ قَدْ يُتَسَامَحُ فِي كَشْفِهِ لَا
سِيَّمَا فِي مَوَاطِنِ الْحَرْبِ وَمَوَاقِفِ الْخِصَامِ، وَقَدْ تَقَرَّرَ فِي
الْأُصُولِ أَنَّ الْقَوْلَ أَرْجَحُ مِنْ الْفِعْلِ".
هل
السُّرَّةَ وَالرُّكْبَةَ مِنْ الْعَوْرَةِ؟
اختلفت
أقوال العلماء في ذلك؛ فمنهم من يرى السرة والركبة من العورة ومنهم من لا يرى ذلك.
حكم
الغسل عريانا:
قال البخاري: بَابُ مَنِ اغْتَسَلَ عُرْيَانًا وَحْدَهُ فِي الخَلْوَةِ، وَمَنْ تَسَتَّرَ فَالتَّسَتُّرُ أَفْضَلُ، واسْتَدَلَّ عَلَى جَوَازِ غسل عريانا بِقِصَّةِ غسل مُوسَى وَأَيُّوبَ عَلَيْهِمَا السَّلَام عريانا. عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " كَانَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ يَغْتَسِلُونَ عُرَاةً، يَنْظُرُ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ، وَكَانَ مُوسَى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَغْتَسِلُ وَحْدَهُ، فَقَالُوا: وَاللَّهِ مَا يَمْنَعُ مُوسَى أَنْ يَغْتَسِلَ مَعَنَا إِلَّا أَنَّهُ آدَرُ، فَذَهَبَ مَرَّةً يَغْتَسِلُ، فَوَضَعَ ثَوْبَهُ عَلَى حَجَرٍ، فَفَرَّ الحَجَرُ بِثَوْبِهِ، فَخَرَجَ مُوسَى فِي إِثْرِهِ، يَقُولُ: ثَوْبِي يَا حَجَرُ، حَتَّى نَظَرَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ إِلَى مُوسَى، فَقَالُوا: وَاللَّهِ مَا بِمُوسَى مِنْ بَأْسٍ، وَأَخَذَ ثَوْبَهُ، فَطَفِقَ بِالحَجَرِ ضَرْبًا".[11]
وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "بَيْنَا أَيُّوبُ يَغْتَسِلُ عُرْيَانًا،
فَخَرَّ عَلَيْهِ جَرَادٌ مِنْ ذَهَبٍ، فَجَعَلَ أَيُّوبُ يَحْتَثِي فِي ثَوْبِهِ،
فَنَادَاهُ رَبُّهُ: يَا أَيُّوبُ، أَلَمْ أَكُنْ أَغْنَيْتُكَ عَمَّا تَرَى؟
قَالَ: بَلَى وَعِزَّتِكَ، وَلَكِنْ لاَ غِنَى بِي عَنْ بَرَكَتِكَ".[12]
قال
ابن حجر: "وَدَلَّ قَوْلُهُ أَفْضَلُ عَلَى الْجَوَازِ وَعَلَيْهِ أَكثر
الْعلمَاء. وَالَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ وَجْهَ الدَّلَالَةِ مِنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَصَّ الْقِصَّتَيْنِ وَلَمْ يَتَعَقَّبْ شَيْئًا
مِنْهُمَا فَدَلَّ عَلَى مُوَافَقَتِهِمَا لِشَرْعِنَا، وَإِلَّا فَلَوْ كَانَ
فِيهِمَا شَيْءٌ غَيْرُ مُوَافِقٍ لَبَيَّنَهُ، فَعَلَى هَذَا فَيُجْمَعُ بَيْنَ
الْحَدِيثَيْنِ بِحَمْلِ حَدِيثِ بَهْزِ بْنِ حَكِيمٍ عَلَى الْأَفْضَلِ". وهو قوله في الحديث الذي سبق ذكره: فَإِذَا كَانَ أَحَدُنَا
خَالِيًا؟ وقَالَ النبي صلى الله عليه وسلم: "فَاَللَّهُ تَبَارَكَ
وَتَعَالَى أَحَقُّ أَنْ يُسْتَحْيَا مِنْهُ." وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ
الْجَوَازِ مُطْلَقًا حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ عِنْدَ التِّرْمِذِيِّ بِلَفْظِ:
«إيَّاكُمْ وَالتَّعَرِّي فَإِنَّ مَعَكُمْ مَنْ لَا يُفَارِقُكُمْ إلَّا عِنْدَ
الْغَائِطَ، وَحِينَ يُفْضِي الرَّجُلُ إلَى أَهْلِهِ فَاسْتَحْيُوهُمْ
وَأَكْرِمُوهُمْ». وهو ضعيف.
خلاصة
القول:
قال
الشوكاني: "وَالْحَقُّ وُجُوبُ سَتْرِ الْعَوْرَةِ فِي جَمِيعِ الْأَوْقَاتِ
إلَّا وَقْتَ قَضَاءِ الْحَاجَةِ وَإِفْضَاءِ الرَّجُلِ إلَى أَهْلِهِ كَمَا فِي
حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ السَّابِقِ، وَعِنْدَ الْغُسْلِ عَلَى الْخِلَافِ الَّذِي
مَرَّ فِي الْغُسْلِ وَمِنْ جَمِيعِ الْأَشْخَاصِ إلَّا فِي الزَّوْجَةِ
وَالْأَمَةِ كَمَا فِي حَدِيثِ الْبَابِ وَالطَّبِيبِ وَالشَّاهِدِ وَالْحَاكِمِ
عَلَى نِزَاعٍ فِي ذَلِكَ. وقال البغوي في
شرح السنة: "وَيكرهُ للرجل كشفُ عَوْرَته لغير حَاجَة، وَإِن كَانَ خَالِيا"
وذلك لقول النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اللَّهُ أَحَقُّ أَنْ
يَسْتَحْيَا مِنْهُ».[13]
فيجب على الرجل ستر عوراته من جميع الناس إلا من زوجته،
سواء كان في بيته منفردا أو مع أهله أو في الشوارع أو في حمام السباحة العامة أو في
الشواطئ وغيرها من الأماكن. وحد العورة الذي ينبغي ستره للخروج من الخلاف هو ما
بين السرة والركبة.
وأما
المرأة فجميع بدنها عورة أمام الأجانب فيجب ستره إلا الوجه والكفين عند بعض
العلماء. ويجوز لها إظهار الجزء الذي كان يظهر غالبا من المرأة كالشعر والركبة
والذراع أمام محارمها، ولا يجوز لها أن تلبس لباسا ضيقا وقصيرا جدا خوفا من الفتنة
وإثارة شهوة محارمها. ويكره للمرء أن يبقى عريانا وإن كان خاليا من جميع الناس.
والله أعلم.
[1] صحيح البخاري، بَابُ مَنِ
اغْتَسَلَ عُرْيَانًا وَحْدَهُ فِي الخَلْوَةِ، وَمَنْ تَسَتَّرَ فَالتَّسَتُّرُ
أَفْضَلُ؛ سنن الترمذي، رقم الحديث: 2769،
[2] سنن الترمذي، رقم الحديث:
2800، والحديث ضعيف.
[3] رواه مسلم: رقم الحديث:
338.
[4] محمد بن علي الشوكاني، نيل
الأوطار، مصر: دار الحديث، ط1، ج2، ص74 و 78.
[5] صحيح
البخاري، بَابُ مَا يُذْكَرُ فِي الفَخِذِ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ؛ سنن
أبي داود، رقم الحديث: 4014، وَالْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ، ومالك غيرهم، وقال
التِّرْمِذِيُّ: حديث حَسَنٌ.
[6] مسند أحمد، رقم الحديث:
22495.
[7] رَوَاهُ
أَبُو دَاوُد (3140)؛ وَابْنُ مَاجَهْ (1460)؛ وأحمد (1249) قال محققوا مسند أحمد:
"صحيح لغيره، وهذا إسناد ضعيف لانقطاعه".
[8] رواه مسلم، رقم الحديث:
2401.
[9] صحيح البخاري، رقم الحديث:
371.
[10] صحيح
البخاري، بَابُ مَا يُذْكَرُ فِي الفَخِذِ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ.
[11] صحيح البخاري، رقم الحديث
278.
[12] صحيح البخاري، رقم الحديث:
279.
[13] محيي السنة البغوي، شرح
السنة، دمشق: المكتب الإسلامي، ط2، 1983، ج9، ص25.
0 Comments