شهادة الصحابة الكرام على قوة حفظ أبي هريرة وبيان ما ورد من نهي عمر له من التحديث

 شهادة الصحابة الكرام على قوة حفظ أبي هريرة وبيان ما ورد من نهي عمر له من التحديث

By: Dr. Issah Abeebllahi Obalowu

 

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد المرسلين، وبعد:

أولا: تهديد عمر لأبي هريرة ليس من أجل تشكيكه في صدق أبي هريرة، وإنما هو شفقة ورحمة له لكثرة تحديثه، وحذرا لما قد يؤول إليه الأمر. وليس أبو هريرة وحده هو من نهاه عمرُ عن التحديث، بل التقليل من التحديث معروف من مذهب عمر رضي الله عنه.

 

" كان أبو هريرة يرى لزاما عليه أن يحدّث النّاس بما سمعه من رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم خروجا من إثم كتمان العلم، وقد ألجأه ذلك إلى أن يكثر من رواية الحديث، فكان في المجلس الواحد يسرد الكثير من أحاديثه صلّى اللَّه عليه وسلم، ولكن عمر رضي اللَّه عنه كان يرى أن يشتغل النّاس أولا بالقرآن، وأن يقلّوا الرّواية عن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلم في غير أحاديث العمل، وأن لا يروى للناس أحاديث الرّخص لئلا يتّكلوا عليها، ولا الأحاديث المشكلة التي تعلو على أفهامهم، كما أنه كان يخاف على المكثرين الخطأ في رواية الحديث إلى غير ذلك، ومن أجل ذلك كلّه نهى عمر الصحابة عن الإكثار من الرواية، وأغلظ لأبي هريرة القول وهدده بالنّفي، لأنه كان أكثر الصحابة رواية للأحاديث."[1]

 

مما يثبت إذن ورِضى عمر بروايات أبي هريرة وتحديثه ما ورد من جرأة أبي هريرة  أمام عمر برواية الحديث، عن ثَابِت بْن قَيْسٍ، أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ، قَالَ: أَخَذَتِ النَّاسَ رِيحٌ بِطَرِيقِ مَكَّةَ، وَعُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ حَاجٌّ، فَاشْتَدَّتْ عَلَيْهِمْ، فَقَالَ عُمَرُ لِمَنْ حَوْلَهُ: مَنْ يُحَدِّثُنَا عَنِ الرِّيحِ؟ فَلَمْ يُرْجِعُوا إِلَيْهِ شَيْئًا، فَبَلَغَنِي الَّذِي سَأَلَ عَنْهُ عُمَرُ مِنْ ذَلِكَ، فَاسْتَحْثَثْتُ رَاحِلَتِي حَتَّى أَدْرَكْتُهُ، فَقُلْتُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، أُخْبِرْتُ أَنَّكَ سَأَلْتَ عَنِ الرِّيحِ، وَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "الرِّيحُ مِنْ رَوْحِ اللهِ، تَأْتِي بِالرَّحْمَةِ، وَتَأْتِي بِالْعَذَابِ فَإِذَا رَأَيْتُمُوهَا، فَلَا تَسُبُّوهَا، وَسَلُوا اللهَ خَيْرَهَا، وَاسْتَعِيذُوا بِهِ مِنْ شَرِّهَا".[2]

 

ثانيا: قد شهد عدد من الصحابة بقوة حفظ أبي هريرة وكثرة رواياته عن النبي صلى الله عليه وسلم.

روى الترمذي عَن ابْنِ عُمَرَ، أَنَّهُ قَالَ: لِأَبِي هُرَيْرَةَ: «يَا أَبَا هُرَيْرَةَ أَنْتَ كُنْتَ أَلْزَمَنَا لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَحْفَظَنَا لِحَدِيثِهِ» (3836). «وقال الترمذي: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ».[3]

 

عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ قَيْسٍ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّهُ أَخْبَرَهُ أَنَّ رَجُلًا جَاءَ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ، فَسَأَلَهُ عَنْ شَيْءٍ، فَقَالَ لَهُ زَيْدٌ: عَلَيْكَ أَبَا هُرَيْرَةَ، فَإِنِّي بَيْنَمَا أنا وَأَبُو هُرَيْرَةَ، وَفُلَانٌ فِي الْمَسْجِدِ ذَاتَ يَوْمٍ نَدْعُو اللهَ، وَنَذْكُرُ رَبَّنَا خَرَجَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى جَلَسَ إِلَيْنَا فَسَكَتْنَا فَقَالَ: «عُودُوا لِلَّذِي كُنْتُمْ فِيهِ» قَالَ زَيْدٌ: فَدَعَوْتُ أَنَا وَصَاحِبَيَّ قَبْلَ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَجَعَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُؤَمِّنُ عَلَى دُعَائِنَا، ثُمَّ دَعَا أَبُو هُرَيْرَةَ، فَقَالَ: اللهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ مِثْلَ مَا سَأَلَكَ صَاحِبَايَ هَذَانِ، وَأَسْأَلُكَ عِلْمًا لَا يُنْسَى، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «آمِينَ» ، فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللهِ وَنَحْنُ نَسْأَلُ اللهَ عِلْمًا لَا يُنْسَى، فَقَالَ: «سَبَقَكُمْ بِهَا الْغُلَامُ الدَّوْسِيُّ».[4]

 

عَن مَالِكِ بْنِ أَبِي عَامِرٍ، قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ، فَقَالَ يَا أَبَا مُحَمَّدٍ أَرَأَيْتَ هَذَا اليَمَانِيَّ - يَعْنِي أَبَا هُرَيْرَةَ - أَهُوَ أَعْلَمُ بِحَدِيثِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْكُمْ؟ نَسْمَعُ مِنْهُ مَا لَا نَسْمَعُ مِنْكُمْ، أَوْ يَقُولُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا لَمْ يَقُلْ. قَالَ: «أَمَّا أَنْ يَكُونَ سَمِعَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا لَمْ نَسْمَعْ عَنْهُ، وَذَاكَ أَنَّهُ كَانَ مِسْكِينًا لَا شَيْءَ لَهُ ضَيْفًا لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَدُهُ مَعَ يَدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكُنَّا نَحْنُ أَهْلَ بُيُوتَاتٍ وَغِنًى، وَكُنَّا نَأْتِي رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طَرَفَيِ النَّهَارِ، لَا أَشُكُّ إِلَّا أَنَّهُ سَمِعَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا لَمْ نَسْمَعْ، وَلَا تَجِدُ أَحَدًا فِيهِ خَيْرٌ يَقُولُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا لَمْ يَقُلْ» هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ لَا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ حَدِيثِ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ " وَقَدْ رَوَاهُ يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ، وَغَيْرُهُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ.[5]

قَالَ: الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ: "أَبُو هُرَيْرَةَ أَحْفَظُ مَنْ رَوَى الْحَدِيثَ فِي دَهْرِهِ."[6]

 

قال كاتب مروان: أرسل مروان إلى أبي هريرة، فجعل يحدّثه، وكان أجلسني خلف السرير أكتب ما يحدّث به حتى إذا كان في رأس الحول أرسل إليه فسأله وأمرني أن أنظر، فما غيّر حرفا عن حرف. 

[7]

قال الذهبي: أبو هريرة: "سيد الحفاظ الأثبات"، وقال أيضا: "إليه المنتهى في حفظ ما سمعه من الرسول عليه السلام وأدائه بحروفه".[8]

 

ثالثا وأخيرا، جلّ الأحاديث التي رواها أبو هريرة لم ينفرد بها عن النبي صلى الله عليه وسلم، بل رواها غيره من الصحابة الكرام رضوان الله عليهم أجمعين.

 

قال ابن عبد البر فيما ما ورد عَن أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ قَالَ: «لَقَدْ حَدَّثَتُكُمْ بِأَحَادِيثَ، لَوْ حَدَّثْتُ بِهَا زَمَنَ عُمَرَ لَضَرَبَنِي عُمَرُ بِالدِّرَّةِ»، قال: "احْتَجَّ بَعْضُ مَنْ لَا عِلْمَ لَهُ وَلَا مَعْرِفَةَ مِنْ أَهْلِ الْبِدَعِ وَغَيْرِهِمُ الطَّاعِنِينَ فِي السُّنَنِ بِحَدِيثِ عُمَرَ هَذَا: أَقِلُّوا الرِّوَايَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبِمَا ذَكَرْنَا فِي هَذَا الْبَابِ مِنَ الْأَحَادِيثِ وَغَيْرِهَا وَجَعَلُوا ذَلِكَ ذَرِيعَةً إِلَى الزُّهْدِ فِي سُنَنِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّتِي لَا تُوَصِّلُ إِلَى مُرَادِ كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ إِلَّا بِهَا وَالطَّعْنِ عَلَى أَهْلِهَا وَلَا حُجَّةَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ وَلَا دَلِيلَ عَلَى شَيْءٍ مِمَّا ذَهَبُوا إِلَيْهِ مِنْ وُجُوهٍ، قَدْ ذَكَرَهَا أَهْلُ الْعِلْمِ مِنْهَا أَنَّ وَجْهَ قَوْلِ عُمَرَ هَذَا إِنَّمَا كَانَ لِقَوْمٍ لَمْ يَكُونُوا أَحْصَوَا الْقُرْآنَ فَخَشِيَ عَلَيْهِمُ الِاشْتِغَالَ بِغَيْرِهِ عَنْهُ إِذْ هُوَ الْأَصْلُ لِكُلِّ عِلْمٍ، هَذَا مَعْنَى قَوْلِ أَبِي عُبَيْدٍ فِي ذَلِكَ."[9]

 


[1]  انظر: الإصابة في تمييز الصحابة، تحقيق: عادل أحمد عبد الموجود وعلى محمد معوض، ط: دار الكتب العلمية، ج1، 65.

[2]  أخرجه أحمد: 7631، وقال محققوا المسند: صحيح لغيره، وهذا إسناد حسن. وأخرجه الشافعي في مسنده، والحاكم في المستدرك، وقال: "هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ" ووافقه الذهبي على تصحيحه.

[3]  وأخرجه الإمام أحمد: 4453، والحاكم في المستدرك: 6167، وقال: «هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ» ووافقه الذهبي على تصحيحه.

[4]  رواه النسائي في الكبرى: 5839، والطبراني في الأوسط: 1228.

[5]  (سنن الترمذي: 3837). وأخرجه الحاكم في المستدرك: 6172، وقال: "هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ"، ووافقه الذهبي على تصحيحه.

[6]  (معرفة السنن والآثار للبيهقي؛ الإصابة في تمييز الصحابة؛ سير أعلام النبلاء للذهبي).

[7]  (الإصابة في تمييز الصحابة).

[8]  (سير أعلام النبلاء).

[9]  جامع بيان العلم وفضله.

Post a Comment

0 Comments